{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (33)}يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية الإله فقال: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} أي: من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر، فيشق الأرض شقًا بقدرته ومشيئته، فيخرج منها {حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 27- 31]، أإله مع الله؟ فسيقولون: الله، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} [الملك: 21]؟، وكذلك قوله: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ} [يونس: 31] أي: الذي وهبكم هذه القوة السامعة، والقوة الباصرة، ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23]، وقال {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} [الأنعام: 46].وقوله: {وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} أي: بقدرته العظيمة، ومنته العميمة، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك، وأن الآية عامة في ذلك كله.وقوله: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ} أي: من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسْألُون، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، فالملك كله العلوي والسفلي، وما فيهما من ملائكة وإنس وجان، فقيرون إليه، عبيد له، خاضعون لديه، {فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} أي: هم يعلمون ذلك ويعترفون به، {فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} أي: أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم؟.وقوله: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} أي: فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} أي: فكل معبود سواه باطل، لا إله إلا هو، واحد لا شريك له.{فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} أي: فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة ما سواه، وأنتم تعلمون أنه الرب الذي خلق كل شيء، والمتصرف في كل شيء؟وقوله: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي: كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره، مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرازق المتصرف في الملك وحده، الذي بعث رسله بتوحيده؛ فلهذا حقت عليهم كلمة الله أنهم أشقياء من ساكني النار، كقوله: {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71].